كم هو مسكين الرئيس الإيراني حسن روحاني، فقد اعتُبر غير مهم وغير مؤثر لدرجة أن إدارة ترامب لم تزعج نفسها بفرض عقوبات عليه. وبدلاً من ذلك، اختارت فرض عقوبات جديدة على خامنئي وثمانية قادة عسكريين، وتستعد لاتخاذ تدابير مماثلة ضد وزير الخارجية جواد ظريف. وكانت قد فرضت عقوبات على قاسم سليماني، قائد «فيلق القدس»، وصنّفت «الحرس الثوري» منظمةً إرهابيةً.
غير أنه في المشهد السياسي الإيراني المعادي للولايات المتحدة، أن تُستهدف بهذه الطريقة من قبل «الشيطان الأكبر» فذلك بمثابة «وسام شرف»، وسام حُرم منه روحاني الذي يُنظر إليه خصومه المتشددون نظرة سخط. وعلى هذه الخلفية يمكن قراءة وصف روحاني الأخير للبيت الأبيض بأنه «متخلف عقلياً»، باعتباره شكوى من عدم إدراج اسمه على قائمة المستهدَفين بالعقوبات.
والواقع أن العقوبات على خامنئي ربما لا يكون لها تأثير كبير عليه شخصياً، فهو لا يسافر إلى خارج الحدود الإيرانية، ولا يملك ممتلكات معروفة في الخارج، كما تصعب معرفة أي أجزاء من إمبراطوريته التجارية، والتي تقدر قيمتها بمليارات الدولارات، قد تتأثر بالعقوبات، بل إن شركات تأسست بالاستيلاء على ممتلكات رعاياه تمكن إعادة بنائها عبر الاستيلاء على مزيد من تلك الممتلكات.
وبغض النظرعن فعالية الإجراءات العقابية الجديدة، فإنها ليست مؤشراً على عدم الفهم، بل على العكس من ذلك؛ هي بديل مؤقت عقلاني لما فكّر فيه الرئيس ترامب لوقت وجيز الأسبوع الماضي: أي الرد العسكري على استفزازات إيران الكثيرة.
النظام في طهران قال إن العقوبات الأخيرة تغلق الباب أمام المفاوضات للأبد، لكنه قول مراوغ. ذلك أن خامنئي كان قد أغلق الباب في وجه رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي الذي حاول القيام بوساطة بين الولايات المتحدة وإيران، ليكون جزاؤه الإذلال من قبل المرشد الأعلى. كما تجاهلت طهران عروض وساطة من جهات عربية، ورفضت تصريحات ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو وما أظهراه من انفتاح على المفاوضات من دون شروط مسبقة.
وإلى ذلك فثمة الكثير من المؤشرات على أن الإيرانيين ليست لديهم نية للتفاوض، ومن هذه المؤشرات: الهجمات على الملاحة البحرية، وعلى المنشآت النفطية السعودية، وعلى طائرة أميركية مسيّرة.
والواقع أنه لا شيء «أبديّ» في الحسابات الجيوسياسية. لكن على ما يبدو فإن خامنئي يريد الانتظار إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2020، قبل إعادة النظر في تعنته بشأن المفاوضات مع أميركا. وهو يأمل أن يخسر ترامب الانتخابات، وأن يكون الرئيس الأميركي السادس والأربعين أكثر ميلاً إلى إيران. وفي الأثناء، ستسعى طهران لاكتساب ومراكمة بعض النفوذ، محسّنةً مخزونَها من اليورانيوم ومهدِّدةً استقرارَ الشرق الأوسط وسلامة خطوط الملاحة المهمة.
لكن ترامب قد يستفيد من تعمد إضاعة الوقت على إيران. فالانتخابات الرئاسية المقبلة هناك مقررة عام 2021، ولن يستطيع روحاني الترشح لها مرة أخرى، ومن شبه المؤكد أن يُستبدل بأحد المتشددين. ومن جانبه، سيخرج من المشهد «ظريف»، الذي لا يحظى بدعم وتأييد المجموعة نفسها، وبالتالي ستصبح العقوبات المفروضة عليه غير ذات معنى. وسيبقى خامنئي غير المنتخَب.
وعليه، فبدلاً من الانكباب الآن على عملية مفاوضات طويلة، ربما يرى البيت الأبيض أنه من الأفضل منح العقوبات عامين آخرين، حتى تعطي مفعولها وتُضعف موقف طهران. وإذا واصلت طهران تخصيب اليورانيوم ومهاجمة خطوط الملاحة البحرية، فستستعدي المجتمع الدولي ضدها، ما يدفع مزيداً من البلدان، خاصة في أوروبا، إلى دعم الموقف الأميركي.
وعندما تبدأ المفاوضات في نهاية المطاف، يمكن أن تكون العقوبات على خامنئي ورقة نفوذ إضافية لصالح الجانب الأميركي، وإزالتها حافزاً صغيراً إضافياً يمكن التلويح به أمام المرشد.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»